Rabu, 16 September 2015

الجامع الصحيح ومنهج البخاري في تأليفه


أ. اسم الكتاب الكامل ودلالته
وجد الباحث الإختلاف في ذكر الاسم الكامل لهذا الكتاب إلى ثلاثة أشماء : (1) “الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه”.[1] (2) المسند الجامع الصحيح المختصر من أمور رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وسننه وأيامه.[2] (3) “الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله وسننه وأيامه”.[3] ويقال له الجامع الصحيح،[4] ويقال اختصاراً: صحيح البخاري وهو المشهور بين الناس.
وحقق الشيخ عبد الفتاح أبو غُدة (1418 هـ) اسم صحيح البخاري، ضمن جزء خصة لهذا الموضوع سماه (تحقيق اسمي الصحيحين واسم جامع الترمذي) وأثبت أن عنوانه الكامل ” الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه” ورجح الشارف حاتم العوني نتيجة تحقيق أبو غدة.[5]
ولهذه التسمية دلالات تستفاد من اسمه:[6] (الجامع) أنه يجمع الأحكام والفضائل والأخبار عن الأمور الماضية، والآتية، والآداب، والرقائق، والتفسير. ويستفاد من اسمه : ( الصحيح) أنه احترز عن إدخال الضعيف في كتابهِ، وقد صح عن الإمام البخاري أنّه قال : (ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح). ومن اسمه : (المسند) أن مقصوده الأصلي تخريج الأحاديث المتصل إسنادها بالصحابةِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلممن قولٍ، أو فعلٍ، أو تقريرٍ، وأنّ ما وقع في الكتاب من غير ذلك فإنما وقع تبعاً وعرضاً لا أصلاً ومقصوداً، وذكر للاستشهاد والاستئناس ليكون الكتاب جامعاً لمعاني الإسلام. وكلمة ” المختصر “هذه صريحة بأن الإمام البخاري لم يقصد استيعاب كل الأحاديث الصحيحة، أنه لم يُرِد استيعاب كل الأحاديث الصحيحة ، فلا شك أن هناك أحاديث صحيحة كثير يعرفها البخاري غير التي ذكرها في الصحيح، وقد صرح بذلك عندما قال: “أحفظ مائة ألف حديث صحيح”. وهذا ما قرره الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري حيث قال في أول الفصل الثاني : “وتقرر أنه ـ أي البخاري ـ التزم فيه الصحة وأنه لا يورد فيه إلا حديثاً صحيحاً، هذا أصل موضوعه وهو مستفاد من تسميته إياه : الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه”.[7]
ب. سبب تأليف صحيح البخاري:
اختصر الباحث أسبابا ثلاثة دعت الإمام البخاري رحمه إلى تأليف كتابه الجامع الصحيح وهي :[8]
أحدها: أنه وجد الكتب التي ألفت قبله بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت التصحيح والتحسين والكثير منها يشمله التضعيف فلا يقال لغثه سمين، قال فحرك همته لجمع الحديث الصحيح الذي لا يرتاب في صحته أمين.
الثاني: قال وقوّى عزمه على ذلك ما سمعه من أستاذه أمير المؤمنين في الحديث والفقه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهوية وساق بسنده إليه أنه قال: “كنا عند إسحاق بن راهوية فقال: “لو جمعتم كتاباً مختصرا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم”، قال: “فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الصحيح”.
الثالث: قال: وروينا بالإسناد الثابت عن محمد بن سليمان بن فارس قال سمعت البخاري يقول: “رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكأني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذب بها عنه، فسألت بعض المعبرين فقال لي: “أنت تذب عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح”.
ج. عناية الإمام البُخَاريِّ بالجامع الصَّحيح
ولقد كانت عناية الإمام البخاري بمصنفاته كبيرة ، وروى عنه أنه قال : صنفت جميع كتبي ثلاث مرات[9] ، أي أنه ما زال ينقحها ويراجعها أكثر من مرة. وقال : ما وضعت في كتاب الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين،[10] والبخاري لم يذكر في هذا الكتاب كل مروياته ومحفوظاته وإنما ذكر جزءا يسيرا جدا مما يحفظ وإنما انتقاه من حفظه. وقد ثبت عنه من طرق كثيرة قوله: أخرجت هذا الكتاب-يعني الصحيح-من زهاء ستمائة ألف حديث، وجعلت حجة بيني وبين الله.[11] وقال : صنفت كتابي ( الجامع) في المسجد الحرام ، وما أدخلت فيه حديثاً حتى استخرت الله تعالى، وصليت ركعتين وتيقنت صحته.[12]
قال الحافظ ابن حجر : الجمع بين هذا وبين ما تقدم أنه كان يصنفه في البلاد: أنه ابتدأ تصنيفه وترتيبه وأبوابه في المسجد الحرام ، ثم كان يخرج الأحاديث بعد ذلك في بلده وغيرها، ويدلّ عليه قوله : إنه أقام فيه ست عشرة سنة ، فإنه لم يجاور بمكة هذه المدة كلها ، وقد روى ابن عديًّ عن جماعة من المشايخ أن البخاري حوّل تراجم جامعه بين قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – ومنبره وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين. قال الحافظ : ولا ينافي هذا أيضاً ما تقدم لأنه يحمل على أنه كتبه في المسودّة وهنا حوّله من المسودّة إلى المُبيضة.[13]
ولما صنف البخاري كتابه (الصحيح) عرضه على ابن المديني ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا أربعة أحاديث، قال العقيلي : والقول فيها قول البخاري، وهي صحيحة.[14] وكان الإمام البخاري رحمه الله يعقد مجالس علمية لإملاء الحديث وكتابة (الصحيح) وقد ذكر الفربري انه قد سمع منه – يعني البخاري – تسعون ألف رجل، وآخر من سمع منه ببغداد القاضي حسين المحاملي.[15]
د. موضوع الكتاب :
موضوع الكتاب هو الأحاديث المسندة الصحيحة على شرط الإمام البخاري وهو الأصل،[16] ويدل لذلك أمور منها (1) تسميته لكتابه الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسننه وأيامه” (2) تصريحه بذلك في نصوص كثيرة نقلت عنه تقدم ذكر بعضها في السبب الباعث له على تأليفه وفي التنويه بمدى عنايته في تأليفه ومن ذلك غير ما تقدم ما نقله الإسماعيلي عنه أنه قال: “لم أخرج هذا الكتاب إلا صحيحا وما تركت من الصحيح أكثر”. وروى إبراهيم بن معقل عنه أنه قال: “ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحيح حتى لا يطول”.[17]
وجدير بالذكر أن صحيح البخاري كما أنه يشتمل على الأحاديث الصحيحة التي هي موضوع الكتاب فهو يشتمل أيضا على ما في تراجم أبوابه من التعليقات والاستنباط وذكر أقوال السلف وغير ذلك مما ليس داخلا في موضوع كتابه، قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري بعد الإشارة إلى موضوع الكتاب: “ثم رأى أن لا يخليه من الفوائد الفقهية والنكت الحكمية فاستخرج بفهمه من المتون معاني كثيرة فرقها في أبواب الكتاب بحسب تناسبها واعتنى فيه بآيات الأحكام فانتزع منها الدلالات البديعة وسلك في الإشارة إلى تفسيرها السبل الوسيعة”. وبذلك جمع الإمام البخاري رحمه الله في كتابه الجامع الصحيح بين الرواية والدراية بين حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهمها.
هـ. ترتيب أحاديث الكتاب :
في الإجمال أنه مرتب على أبواب الجوامع . وأما في التفصيل كما يلي :
1- وقد رتبه مؤلفه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري على الأبواب مُفتتحا إيَّاه بكتاب بدء الوحي ثم كتاب الإيمان ثم سرد كتب العلم والطهارة وغيرها حتى انتهى بكتاب التوحيد ومجموع تلك 97 كتابا كل كتاب منها مُجَزَّءٌ إلى أبواب، وتحت كل باب عدد من الأحاديث. إن بدأه البخاري بالأحاديث المتعلقة بالعقائد ثم العبادات ثم المعاملات ثم بقية أبواب الجوامع التي ذكرت سابقاً وختم الكتاب بمثل ما بدأه به من العقائد فختمه بكتاب التوحيد، فكأن له في هذا قصد وهو أنه أراد القارئ يبدأ بالإيمان فطرة وتنتهي بالتوحيد خاتمة.
2- يُقدم في الباب أصح أحاديثه، وهذه طريقة متبعة عند كثير من المحدثين الذين صنفوا كتبهم بحسب أبواب الفقه. مجمل طريقة الإمام البخاري في تخريج الحديث : (1) يروي الحديث بإسناده متصلاً ، وهي مقصوده بالصحيح. (2) يُعلق الحديث بحذف إسناده، أو بحذف صيغة أدائه عن شيخه، أو بذكر بعض إسناده، وكل ذلك بصيغة الجزم التي الأصل فيها الصحة، أو بصيغة التمريض التي الأصل فيها التضعيف، والمعلقات ليست من شرطه.
و. منهج الإمام البخاري في صحيحه:
1-يكرر الأحاديث ويقطعها لفائدة إسنادية أو متنية أو يكون الحديث عن صحابي فيعيده عن صحابي آخر، أو أن يسوقه بالعنعنة ثم يعيده بالتصريح بالسماع.[18]
2- استنباط الفوائد الفقهية والنكت الحكمية، فاستخرج بفهمه الثاقب من المتون معاني كثيرة فرَّقها في أبوابه بحسب المناسبة، واعتنى فيها بآيات الأحكام، ومن ثم أخلى كثيراً من الأبواب من ذكر إسناد الحديث واقتصر على قوله: فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد يذكر المتن بغير إسناد، وقد يورده معلقاً لقصد الاحتجاج لما ترجم له وأشار للحديث لكونه معلوماً أو سبق قريباً.[19]
3-  تراجم البخاري في صحيحه: أن تراجم البخاري في صحيحه على نوعين: (أ) ظاهرة: وهي أن تكون دالة بالمطابقة لما يورد في مضمونها.. وقد تكون بلفظ المترجم له أو بعضه أو بمعناه. (ب) خفية: وهي التي لا تدرك مطابقتها لمضمون الباب إلا بالنظر الفاحص والتفكير الدقيق. وهذا الموضع هو معظم ما يشكل من تراجم هذا الكتاب، ولهذا اشتهر من قول جمع من الفضلاء فقه البخاري في تراجمه وأكثر ما يفعل البخاري ذلك إذا لم يجد حديثا على شرطه في الباب ظاهر المعنى في المقصد الذي ترجم به ويستنبط الفقه منه، وقد يفعل ذلك لغرض شحذ الأذهان في إظهار مضمره واستخراج خبيئه، وكثيرا ما يفعل ذلك أي هذا الأخير حيث يذكر الحديث المفسر لذلك في موضع آخر متقدما أو متاخرا، فكأنه يحيل عليه ويومئ بالرمز والإشارة إليه.[20]
4- تنوع تراجم البخاري: قال صديق حسن خان في الحطة[21]: وجملة تراجم أبوابه تنقسم أقساماً؛ منها أنه يترجم بحديث مرفوع ليس على شرطه ويذكر في الباب حديثاً شاهداً على شرطه، ومنها أنه يترجم بحديث مرفوع ليس على شرطه لمسألة استنبطها من الحديث بنحو من الاستنباط من نصه أو إشارته أو عمومه أو إيمائه أو فحواه، ومنها أنه يترجم بمذهب ذهب إليه ذاهبٌ قبله، ويذكر في الباب ما يدل عليه بنحو من الدلالة لو يكون له شاهداً في الجملة من غير قطعٍ بترجيح ذلك المذهب فيقول: باب من قال كذا. ومنها أنه يترجم بمسألة اختلفت فيها الأحاديث، فيأتي بتلك الأحاديث على اختلافها، ليقرب إلى الفقيه من بعده أمرها.
ز. عدد أحاديث صحيح البخاري :
قد حرّر الحافظ ابن حجر عدد الأحاديث المرفوعة في صحيح البخاري والمعلقة وأوضح ذلك في مقدمة الفتح إجمالا وتفصيلا :
1 – عدد الأحاديث المرفوعة الموصولة بما فيها المكررة 7397 حديثا
2 – عدد الأحاديث المرفوعة المعلقة بما فيها المكررة 1341 حديثا
3 – عدد ما فيه من المتابعات والتنبيه على اختلاف الروايات 344 حديثا
4 – عدد ما فيه من الموصول والمعلق والمتابعات المرفوعة بالمكررة 9082 حديثا
5 – عدد الأحاديث المرفوعة الموصولة بدون تكرار 2602 حديثا
6 – عدد الأحاديث المعلقة بدون تكرار 159 حديثا
7 – عدد الأحاديث المرفوعة موصولة أو معلقة بدون تكرار 2761 حديثا[22]
وهذه الأعداد إنما هي في المرفوع خاصة دون ما في الكتاب من الموقوفات على الصحابة والمقطوعات عن التابعين ومن بعدهم، وبعد ذكر الحافظ ابن حجر لجملة الأحاديث بدون تكرار قال: “وبين هذا العدد الذي حررته والعدد الذي ذكره ابن الصلاح وغيره تفاوت كثير”، ويعني بذلك ما جاء عن ابن الصلاح حيث قال في علوم الحديث: “وقد قيل إنها بإسقاط المكررة أربعة آلاف حديث” ثم إنه علل ذلك بقوله: “يحتمل أن يكون العدد الأول الذي قلدوه في ذلك كان إذا رأى الحديث مطولا في موضع آخر يظن أن المختصر غير المطول إما لبعد العهد به أو لقلة المعرفة بالصناعة ففي الكتاب من هذا النمط شيء كثير وحينئذ يتبين السبب في تفاوت ما بين العددين. [23]
ح. من شروح صحيح البخاري :
لم يحظ كتاب بعد كتاب الله بعناية العلماء مثل ما حظي كتاب صحيح البخاري ، فقد اعتنى العلماء والمؤلفون به : شرحًا له واستنباطاً للأحكام منه وتكلماً على رجاله وتعاليقه وشرحاً لغريبه وبياناً لمشكلات إعرابه إلى غير ذلك ، وقد تكاثرت شروحه حتى بلغ عدد شروحه والتعليقات عليه أكثر من مائة وثلاثين شرحاً، وأشهر هذه الشروح :[24]
(1)            شرح العلامة شمس الدين محمد بن يوسف بن على الكرماني (786 هـ) سماه “الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري”
(2)            شرح الحافظ أبي الفضل أحمد بن على ابن محمد بن محمد بن حجر العسقلاني (773-852 هـ) سمى شرحه “فتح الباري بشرح صحيح البخاري” وهو أحسن الشروح وأوفاها.[25] وقد استغرق تأليفه خمساً وعشرين عاماً إذ بدأ فيه سنة (817هـ) وأكمله سنة (842هـ ) قبل وفاته بعشر سنين
(3)            شرح العلامة بدرالدين محمود بن أحمد العيني الحنفي (762 -855 هـ) وقد سمى شرحه “عمدة القاري.
(4)            شرح العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد الخطيب المصري الشافعي المشهور بالقسطلاني (ت 922 هـ) وهو شرح أوجز من سابقيه وكثيرا ما يعتمد فيه على كلام من سبقه ولاسيما صاحب الفتح وقد سماه “إرساد الساري إلى صحيح البخاري”.
ط. الانتقادات على البخاري والرد عليها:
 وقد تكلم الحافظ بن حجر في هدي الساري عن الانتقادات الموجهة إلى الصحيحين فأورد الجواب عنه على سبيل الإجمال: أن نقول لا ريب في تقديم البخاري ثم مسلم على أهل عصرهما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والمعلل، فإنهم لا يختلفون في أن علي بن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث، وعنه أخذ البخاري ذلك، حتى كان يقول ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني ومع ذلك فكان علي بن المديني إذا بلغه ذلك عن البخاري يقول: دعوا قوله فإنه ما رأى مثل نفسه. وكان محمد بن يحيى الذهلي أعلم أهل عصره بعلل حديث الزهري وقد استفاد منه ذلك الشيخان جميعا وروى الفربري عن البخاري قال: ما أدخلت في الصحيح حديثا إلا بعد أن استخرت الله تعالى وتيقنت صحته… فإذا عرف وتقرر أنهما لا يخرجان من الحديث إلا ما لا علة له أو له علة إلا أنها غير مؤثرة عندهما، فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما، يكون قوله معارضا لتصحيحهما، ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما، فيندفع الاعتراض من حيث الجملة.[26]
وقال الحافظ ابن حجر في النكت في الكلام على هذه الانتقادات من حيث التفصيل من وجوه؛ منها ما هو مندفع بالكلية ومنها ما قد يندفع:[27]
1- فمنها الزيادة التي تقع في بعض الأحاديث إذا انفرد بها ثقة من الثقات ولم يذكرها من هو مثله أو أحفظ منه، فاحتمال كون هذا الثقة غلط، ظن مجرد وغايتها أنها زيادة ثقة فليس فيها منافاة لما رواه الأحفظ والأكثر فهي مقبولة.
2- ومنها الحديث المروي من حديث تابعي مشهور عن صحابي سمع منه، فيعلل بكونه روي عنه بواسطة، كالذي يروى عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ويروى عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، وأن مثل هذا لا مانع أن يكون التابعي سمعه بواسطة ثم سمعه بدون ذلك الواسطة إلى أن قال: وهذا إنما يطرد حيث يحصل الاستواء في الضبط والإتقان.          
3- ومنها ما يشير صاحب الصحيح إلى علته كحديث يرويه مسندا ثم يشير إلى أنه يروى مرسلا فذلك مصير منه إلى ترجيح رواية من أسنده على من أرسله.
4- ومنها ما تكون مرجوحة بالنسبة إلى صحته كالحديث الذي يرويه ثقات متصلا ويخالفهم ثقة فيرويه منقطعا. أو يرويه  ثقة متصلا ويرويه ضعيف منقطعا.
ي. مكانة صحيح البخاري
هذ الكتاب أول مصنف صنف في الصحيح المجرد وأول الكتب الستة في الحديث وأفضلها عند الجمهور على المذهب المختار المنصور[28] وقال النووي : اتفق العلماء على أن أصح الكتب بعد القرآن الكريم الصحيحان صحيح البخاري وصحيح مسلم وتلقاهما الأئمة بالقبول وكتاب البخاري أصحهما صحيحا وأكثرهما فوائد وقد صح أن مسلما كان ممن يستفيد منه ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث وهذا الترجيح هو المختار الذي قاله الجمهور.[29]
ومن الأدلة لتقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم وهو أمر مشهور عند أهل العلم وذلك لأمور :[30]
الأول: أن الذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم أربعمائة وبضعة وثلاثون رجلا، المتكلم فيه بالضعف منهم ثمانون رجلا، والذين انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاري ستمائة وعشرون رجلا المتكلم فيه بالضعف منهم مائة وستون رجلا، ولا شك أن التخريج عمن لم يتكلم فيه أصلا أولى من التخريج عمن تكلم فيه وإن لم يكن ذلك الكلام قادحا.
الثاني و الثالث: أن الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيه لم يكثر من تخريج أحاديثهم وأن أكثرهم من شيوخه الذين لقيهم وجالسهم وعرف من أحوالهم واطلع على أحاديثهم وميز جيدها من موهومها بخلاف مسلم في الأمرين.
الرابع: أن البخاري اشترط ثبوت التلاقي بين الراوي ومن روى عنه ولو مرة واكتفى مسلم بمجرد المعاصرة وذلك واضح الدلالة على تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم لما فيه من شدة الاحتياط وزيادة التثبت.
الخامس: أن ما انتقد على البخاري من الأحاديث أقل عددا مما انتقد على مسلم ولا شك أن ما قل الانتقاد فيه أرجح مما كثر.
وهذه الوجوه بالإضافة إلى اتفاق العلماء على أن البخاري أعلم بهذا الفن من مسلم وأن مسلما تلميذه وخريجه وكان يشهد له بالتقدم في هذا الفن والإمامة فيه والتفرد بمعرفة ذلك في عصره. والترجيح لصحيح البخاري على صحيح مسلم المراد به ترجيح الجملة على الجملة لا كل فرد من أحاديث الآخر. ومن أمثلة ذلك كما في شرح النخبة للحافظ ابن حجر أن يكون الحديث عند مسلم وهو مشهور قاصر عن درجة التواتر لكن حفته قرينة صار بها يفيد العلم فإنه يقدم على الحديث الذي يخرجه البخاري إذا كان فردا مطلقا. أما ما نقل عن بعض العلماء من تقديم صحيح مسلم على صحيح البخاري فهو راجع إلى حسن السياق وجودة الوضع والترتيب لا إلى الأصحية كما قرر ذلك أهل هذا الشأن.
[1] ابن الصلاح. علوم الحديث. ص.26 ومحمد محمد أبو شهبة. في رحاب السنة الكتب الصحاح الستة. بدون اسم المطبعة ومكان الطبعة. 415 هـ1990 م. ص. 75. وذلك مكتوب في غلاف كتاب “الجامع الصحيح وهو الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسننه وأيامه”. طبعه مطبعة دار طوق النجاة بيروت ط. 1، 1422 هـ.
[2] أبو الطيب السيد صديق حسن القنوجي. الحطة فى ذكر الصحاح الستة. تحقيق على حسن الحلبي. ص.294
[3]الحافظ ابن حجر. هدي الساري مقدمة فتح الباري. بتحقيق الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد . ( الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، الطبعة الأولى سنة 1421هـ – 2001م).
[4] كما هو مكتوب في غلاف كتاب “الجامع الصحيح وهو الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسننه وأيامه”. طبعه مطبعة دار طوق النجاة بيروت ط. 1، 1422 هـ.
[5] أنطر الشارف حاتم بن عارف العوني. العنوان الصحيح للكتاب: تعريفه وأهميته وسائل معرفته وإحكامه أمثلة للأخطاء فيه. (دار عالم الفوائد : مكة المكرمة، 1419 هـ) ص. 50.
[6] أنظر الشارف حاتم بن عارف العوني. العنوان الصحيح للكتاب. ص. 50-51
[7] ابن حجر العسقلاني. هدي الساري مقدمة فتح الباري. بتحقيق الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد. ص 11 و خليل إبراهيم ملاخطر. مكانة صحيحين. (القاهرة: المطبعة العربية الحديثة، الطبعة الأولى، 1402 هـ) ص. 34
[8]الهدي الساري بتحقيق الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد ص. 8-9 الحطة ص. 311-312
[9]سير أعلام النبلاء12/403 ، هدي الساري 487 .
[10]هدي الساري بتحقيق الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد. ص. 9
[11]هدي الساري بتحقيق ص. 1309
[12]مكانة الصحيحين. ص. 36 و 37-38
[13]هدي الساري 489 ، تغليق التعليق 5/418 .
[14]هدي الساري ص. 10
[15]سير أعلام النبلاء 12/433 .
[16]قال الحافظ: وهذا الكتاب ـ يعني صحيح البخاري ـ وإن كان أصل موضوعه إيراد الأحاديث الصحيحة، فإن أكثر العلماء فهموا من إيراده أقوال الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار: أن مقصوده أن يكون كتابه جامعا للرواية والدراية، ومن جملة الدراية شرح غريب الحديث، وجرت عادته أن الحديث إذا وردت فيه لفظة غريبة وقعت أو أصلها أو نظيره في القرآن، أن يشرح اللفظة القرآنية فيفيد تفسير القرآن وتفسير الحديث معا. الحافظ ابن حجر. هدي الساري مقدمة فتح الباري. بتحقيق الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد . ( الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، الطبعة الأولى سنة 1421هـ – 2001م). ج 6 ص. 419.
[17] ويستفاد من قولين سابقين أن البخاري لم يرد استيعاب جميع الصحيح عنده.
[18]أنظر ابن حجر في هدي الساري ج 1 ص 26-27
[19] أبو الطيب السيد صديق حسن القنوجي. الحطة فى ذكر الصحاح الستة. ص.298
[20]ابن حجر في هدي الساري ص. 22
[21]الحطة ص302-306
[22] أنظر هدي الساريج 2 ص 1258-1268 الحطة ص. 316 وفي رحاب السنة، ص. 95
[23]نفس المرجع
[24]أنطر في رحاب السنة . ص. 96-101
[25] مكث ابن حجر في تأليفه ربع قرون (817-842 هـ)
[26] أظر هذه القضية وإجابته في هدي الساري تحقيق الفاريابي. ص 923 إلخ.
[27] ابن حجر العسقلاني. النكت على كتاب ابن الصلاح. تحقيق : د. ربيع بن هادي عمير، (الرياض: دار الراية ، الطبعة الثالثة ، 1415 هـ/1994م) ج 1 ص. 381
[28] أبو الطيب السيد صديق حسن القنوجي. الحطة فى ذكر الصحاح الستة. ص. 295
[29] سعد الدين بن محمد الكبي. مقدمة النووي في علوم الحديث. المكتب الإسلامي : بيروت، ط. 1. 1417 هـ/1997 م) . ص. 12
[30] أنظر مكانة الصحيحينص. 88-90 وقد أوضح هذه الوجوه وغيرها الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح وفي شرحه لنخبة الفكر. و ابن حجر العسقلاني. النكت على كتاب ابن الصلاح. تحقيق : د. ربيع بن هادي عمير، (الرياض: دار الراية ، الطبعة الثالثة ، 1415 هـ/1994م) ج 1 ص 283-289





Tidak ada komentar:
Write komentar